يتم التحميل...

الرِّضا والتّسْليم

ذو القعدة

«إنَّ العبادةَ على سبعينَ وجهاً؛ فتسعةٌ وستّونَ منها في الرضا والتسليمِ للهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِه ولأولي الأمرِ صلّى اللهُ عليهم».

عدد الزوار: 26
الرِّضا والتّسْليم  عن الإمامِ ا

الرِّضا والتّسْليم

عن الإمامِ الرضا (عليه السلام): «إنَّ العبادةَ على سبعينَ وجهاً؛ فتسعةٌ وستّونَ منها في الرضا والتسليمِ للهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِه ولأولي الأمرِ صلّى اللهُ عليهم».

جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ العبادةَ وسيلةً لنيلِ مقامِ القُربِ منه. والعبادةُ قِوامُها الخضوعُ للهِ عزَّ وجلَّ، وهي اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه اللهُ تعالى ويرضاه من الأقوالِ والأفعالِ الظاهرةِ والباطنة. وفي حديثِ الإمامِ (عليه السلام) أعلاه بيانٌ لبابٍ مهمٍّ من أبوابِ العبادة، وهو البابُ الأوسع؛ لأنَّه يُشكِّلُ -كما ذكر الإمام (عليه السلام)- تسعةً وستِّينَ من سبعينَ وجهاً من العبادة، وهو بابُ الرضا والتسليم:

أمّا الرضا، فهو حالةٌ في النفسِ تتقبَّلُ ما يجري عليها أو ما يأتيها من تكليف، وقوامُها أنْ يعلمَ الإنسانُ أنّ اللهَ يختارُ لهُ في كلِّ شيءٍ الأفضلَ، فعنِ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام): «مَنِ اتّكلَ على حسنِ الاختيارِ من اللهِ لمْ يتمَنَّ أنَّهُ في غيرِ الحالِ التي اختارَها اللهُ له». ويحدّثُنا الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) عن جدِّهِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) فيقول: «لم يكنْ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يقولُ لشيءٍ قد مضى: لو كانَ غيرَه».

وأمّا التسليمُ، فهو درجةٌ أعلى من الرضا؛ لأنه عبارةٌ عن القَبولِ المطلَقِ بما يريده اللهُ عزَّ وجلَّ، سواءً أوافَقَ أغراضَ الشخصِ أم خالفَها، إيماناً بأنّ الأمورَ كلَّها بيده، ففي الروايةِ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إذا قال العبدُ: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال اللهُ عزَّ وجلَّ للملائكة: استسلمَ عبدي، اُقضوا حاجتَه».

والمهمُّ في هذا البابِ أنّ كلا الأمرين مِنَ الرضا والتسليم يتعلّقانِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وبرسولِهِ، وبأولي الأمر، فقد أمر اللهُ عزَّ وجلَّ بالطاعةِ لهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً.(سورة النساء، الآية:59)

وأما التسليمُ لهم فهو يَزيدُ عنِ الطاعة، فهو ينبع من العقيدةِ في نفس المؤمنِ التي تمنع تَزَعْزُعَ نيّتِه، ويشرحُهُ الإمامُ الخمينيُّ قدس سره فيقول: «التسليمُ عبارةٌ عن الانقيادِ الباطنيِّ والاعتقادِ القلبيِّ، في مقابلِ الحقّ، وهو ثمرةُ سلامةِ النّفسِ منَ العيوب، وخلوِّها من الملكاتِ الخبيثة»، وفي الزيارةِ الجامعةِ لأهلِ البيتِ (عليهم السلام) بيانُ هذا الانقيادِ القلبيِّ لهم، حيث نقرأ فيها: «ومسلِّمٌ فيه معكم، وقلبي لكم مسلِّمٌ، ورأيي لكم تَبَعٌ، ونُصرتي لكم مُعَدَّةٌ... ».

يقول الإمامُ الخمينيُّ (قدس سره): «يجب على الإنسانِ أن يكونَ مستسلمًا لأقوالِ الأنبياءِ والأولياءِ عليهم السلام، ولا يوجَدُ شيءٌ في سبيلِ تكاملِ الإنسانِ أفضلُ من التسليمِ والطّاعةِ أمامَ أولياءِ الحقّ. وخاصّةً في الأمورِ التي لا مجالَ للعقلِ في التّطرقِ إليها، ولا يوجدُ سبيلٌ لإدراكِها واستيعابها إلّا بواسطةِ الوحيِ والرسالة».

ويصادفُ الحادي عَشَرَ من ذي القَعدة ولادةُ ثامنِ الحُججِ المعصومينَ الإمامِ عليِّ بنِ موسى الرضا (عليهما السلام). نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يجعلَنا من خِيار مواليه.

اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضا الْمُرْتَضَى، الاِمامِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ، وَحُجَّتِكَ عَلى مَنْ فَوْقَ الاَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الثَّرى، الصِّدّيقِ الشَّهيدِ، صَلاةً كَثيرَةً تامَّةً زاكِيَةً مُتَواصِلَةً مُتَواتِرَةً مُتَرادِفَةً، كَاَفْضَلِ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَدٍ مِنْ اَوْلِيائِكَ.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2020-06-30