يتم التحميل...

هُوَ مَوْلانا

رجب

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾

عدد الزوار: 28



بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ صدق الله العليّ العظيم.

تتحدّث هاتان الآيتان من سورة التوبة عن سُنَّةٍ مِنَ السُّننِ الإلهيَّةِ، وهي أنّ البلاءات ستكونُ من نصيبِ المجتمعِ الإيمانيِّ أيضاً، فالمصائبُ هي جزءٌ من طبيعيةِ هذه الدنيا، وفيها حكمةٌ إلهيّةٌ بالغةٌ، ولكنَّ الأساسَ هو في كيفيّةِ التعاملِ معها. وتُرشدنا الآيةُ الثانيةُ إلى أنّ منطقَ أهلِ الإيمانِ في مواجهةِ البلاءِ يتمثَّلُ بقواعدَ ثلاث:

1- التسليمُ للهِ عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَ﴾، والتعبيرُ القرآنيُّ اللّافتُ في قمّةِ المعرفةِ التوحيديّةِ عندما ترى كلَّ ما يُصيبُكَ من اللهِ؛ يعني أنَّ أحداً لن يصيبَكَ بأمرٍ خارجٍ عن التقديرِ الإلهيِّ؛ ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. وعندما نستحضرُ اسمَ الجلالةِ (الله عزَّ وجلَّ) في هذا القولِ، فإنَّنا نستحضرُ معه صفاتِه المعروفةَ والمشهورةَ، ولا سيَّما صفةَ الرحمةِ بعبادِه، وإرادةَ الخيرِ لهم. ولمّا كانَ المرجعُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنَّ أهلَ الإيمانِ بذلك يُكتَبُ لهم النجاة، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

2- هُوَ مَوْلَانَا: وفي هذا التعبيرِ إقرارٌ واعترافٌ بأنَّ ولايةَ أمرنا إنَّما هي للهِ سبحانَه فحسب - على ما يدلُّ عليهِ قولهُ : ﴿هُوَ مَوْلَانَ﴾ من الحصرِ - لا إلى أنفسِنا ولا إلى شيء من هذهِ الأسبابِ الظاهرةِ، ولا شكَّ في أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ بمقتضى كونِه الوليَّ لأمورِ العبادِ فهو يتصرَّفُ بما فيهِ مصلحة العباد، وهو الغنيُّ عنهم. ومَن آمنَ بهذا، انعكسَ في حياتِه بالامتثالِ لأمرهِ، والجهادِ في سبيلِه، والطاعةِ التامَّةِ له، مع الاعتقادِ بأنَّ وراءَ كلِّ تصرفٍ مصلحةً للعبادِ؛ وهذا يعني الانتقالَ مباشرةً إلى طاعة اللهِ، فهي سبيلُ الوفاءِ بهذه الولاية.

3- التوكُّلُ على الله وحدَه: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾: نتوكَّلُ عليه، ونُرجعُ الأمرَ إليهِ من غيرِ أنْ نختارَ لأنفسِنا شيئاً مِنَ الحسنةِ والسيِّئةِ فلو أصابَتْنا حسنةٌ كان المنُّ له، وإن أصابتْنا سيِّئةٌ كانت المشيَّةُ والخيرةُ له، والإنسانُ في هذا التوكُّلِ على مراتبَ، يُحدّثنا عنها، أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في الرواية عنه: «الإيمانُ على أربعةِ أركان: التوكُّلُ على الله، والتفويضُ إلى الله، والتسليمُ لأمر الله، والرضى بقضاءِ الله».

وتتجلَّى حقيقةُ التوكُّل بما وردَ عن الإمامِ الصادق (عليه السلام) - لمّا سُئل عن حدِّ التوكُّل: «أنْ لا تخافَ معَ اللهِ شيئاً».

إنّ هذا الإيمانَ هو بابُ القوَّةِ الذي يتمسّكُ به الإنسانُ عندما ينزِلُ البلاءُ، وقد ورَدَ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «أصلُ قوَّةِ القلبِ التوكُّلُ على الله».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2020-03-25