يتم التحميل...

المَسار التّأريخي لِعلم الأخلاق

مقدمات في الأخلاق

مما لا شك فيه أنّ الأبحاث الأخلاقية، ولدت مع أوّل قدم وضعها الإنسان على الأرض، لأن النّبي آدم عليه السلام لمُ يعلّم أبناءه الأخلاق فقط، بل إنّ البّاري تعالى، عندما خلقه وأسكنه الجنّة، أفهمه المسائل الأخلاقيّة والأوامر والنّواهي، في دائرة السّلوك الأخلاقي مع الآخرين. وآتخذ سائر الأنبياء عليهم السلام طريق تهذيب النّفوس والأخلاق

عدد الزوار: 13

مما لا شك فيه أنّ الأبحاث الأخلاقية، ولدت مع أوّل قدم وضعها الإنسان على الأرض، لأن النّبي آدم عليه السلام لمُ يعلّم أبناءه الأخلاق فقط، بل إنّ البّاري تعالى، عندما خلقه وأسكنه الجنّة، أفهمه المسائل الأخلاقيّة والأوامر والنّواهي، في دائرة السّلوك الأخلاقي مع الآخرين.

وآتخذ سائر الأنبياء عليهم السلام طريق تهذيب النّفوس والأخلاق، والتي تكمَن فيها سعادة الإنسان، حتى وصل الأمر إلى السيّد المسيح عليه السلام، حيث كان القسم الأعظم من تعاليمه، هو أبحاثٌ أخلاقيّةٌ، فَنَعَته حواريّوه وأصحابه بالمعلِّم الأكبر للأخلاق.

ولكن أعظم مُعلِّمي الأخلاق، هو: رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم، لأنّه رفع شعار: "إنّما بُعثت لاُتمّم مكارَم الأخلاق".

وقال عنه الباري تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم(القلم:4).

ويوجد قديماً بعض الفَلاسفة، مَنْ لُقّب بمعلّم الأخلاق، مثل: إفلاطون، وأرسطو، وسُقراط، وجَمعٌ آخر من فَلاسفة اليونان.

وعلى كلّ حال، فإنّه وبعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فإنّ الأئمّة عليهم السلام هم أكبر معلّمي الأخلاق، وذلك بشهادة الأحاديث التي نُقلت عنهم، حيث ربّوا أشخاصاً بارزين يمكن أن يعتبر كلّ واحد منهم مُعلِّماً لعصرهِ.

فحياة المعصومين عليهم السلام وأتباعهم، هي خيرُ دليل على سُمّونفوسهم، ورفعة أخلاقهم، في حركة الواقع.

ويبقى السّؤال في أنّه متى تأسّس علم الأخلاق في الإسلام، ومن هم مشاهيره؟. وهذا البحث مذكورٌ بالتّفصيل في الكتاب القيّم: تأسيس الشّيعة لعلوم الإسلام، بقلم آية الله الشّهيد الصّدرقدس سره. ولا بأس بالإشارة إلى بعض ما جاء فيه، حيث قسّم السيد الصدر الموضوع إلى ثلاثة أقسام:

أ- يقول إنّ أوّل من أسّس علم الأخلاق، هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك من خلال الرّسالة التي كتبها لإبنه الإمام الحسن عليه السلام بَعد رجوعه من صفّين، حيث بيّن الاُسس الأخلاقيّة، وتطرق للمَلكات الفاضلة والصّفات الرذيلة، وحلّلها بأحسن وجه1.

ونقل هذهِ الرّسالة، بالإضافة إلى السيّد الرّضي في نهج البلاغة، الكثير من علماء الشّيعة أيضاً.

ونقلها كذلك بعض علماء أهل السُنّة، مثل: أبوأحمد بن عبدالله العسكري، في كتابه الزّواجر والمواعظ، حيث أوردها كلّها وقال:

(لوكانَ مِنَ الحِكمةِ ما يجب أن يُكتبَ بالذّهبِ لكانتْ هذِهِ).

ب- أوّل من كتب كتاباً في دائرة "علم الأخلاق"، هو: إسماعيل بن مهران أبوالنصر السكوني، وهو من علماء القرن الثاني، وأسماه: المؤمن والفاجر، (وهو أوّل كتاب أخلاقي عُرف في الإسلام).

ج- بعدها يذكر بعض من أسماء أكابر العلماء في هذا المجال، (وإن كانوا لم يألفّوا كُتباً فيها) مثل:

"سلمان الفارسي"، حيث قال في حقّه الإمام علي عليه السلام:  "سَلمانُ الفارسِي مِثلُ لُقمانِ الحَكيمِ، عَلِمَ عِلمَ الأوّلِ والآخرِ، بحرٌ لا يُنزفُ، وهو مِنّا أهلَ البيتِ"2.

2- "أبوذَرْ الغَفاري"، والذي بقيَ طويلاً يُروّج للأخلاق الإسلاميّة، وهو الّنموذج الحيّ لها، والمشاحنات التي كانت بينه وبين الخليفة الثّالث "عَثمان"، و"معاوية"، في المسائل الأخلاقيّة معروفةٌ لدى الجميع، حيث أودت بحياته، ومات في سبيل ذلك الطّريق القويم.

3- "عَمّار بن ياسِر"، وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في حقّه وحقّ إخوانه وأصحابه المخلصين، يبيّن منزلتهم الأخلاقية السّامية، فقال: "أينَ إِخواني الّذين رَكِبُوا الطَّريقَ وَمَضوا عَلَى الحَقِّ، أينَ عَمّارُ... ثُمَّ ضَربَ يَدَهُ عَلَى لِحيَتِهِ الشَّريفَةِ الكَريمَةِ فأطالَ البُكاءَ، ثُمَّ قَالَ: اُوَّهْ عَلى إِخواني الَّذِينَ تَلَوا القُرآنَ فأحكَمُوهُ، وَتَدّبَرُوا الفَرضَ فأقامُوهُ، أَحْيَوا السُّنّةَ وأماتُوا البِدعَةَ"3.

4- "نوف البكّالي"، كان مثال الزّهد والعبادة وحُسن الأخلاق، وتوفّي بعد السّنة (90) للهجرة.

5- "محمد بن أبي بكر"، كان من خُلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ويحذوحَذوالإمام في الزّهد والعبادةِ والأخلاق.

6- "الجارود بن المنذر"، كان من أصحاب الأئمّة الرابع والخامس والسادس عليهم السلام، ومن كبار العلماء في العِلم والعمل، وله مقامٌ رفيعٌ جدّاً.

7- "حذيفة بن المنصور"، كان من أصحاب الأئمّة: الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، وقيل عنه: (أنّه أخذ عن اُولئك العظام، وقد نبغ في مكارم الأخلاق وتهذيب النفس).

8- "عثمان بن سعيد العمري"، هو أحد الوكلاء الأربعة للإمام المهدي عليه السلام، ومن أحفاد عمّار بن ياسررحمه الله، وقالوا فيه: (ليس له ثان في المعارف والأخلاق والفقه والأحكام).

وكثيرٌ من العظماء الّذين يطول ذكرهم.

ونودُّ الإشارة إلى أنّ كثيراً من الكتب الأخلاقيّة، وعلى مدى التأريخ الإسلامي، قد كُتبت، ونذكر منها:

1- من القَرن الثّالث، كتاب: "المانعاتُ من دخول الجنّة"، بقلم جعفر بن أحمد القُمي، وهو من كبار العلماء في عصره.

2- من القَرن الرّابع، كتاب: "الآداب" وكتاب "مكارم الأخلاق"، بقلم عليّ بن أحمد الكوفي.

3- كتاب: "طهارة النّفس" و"تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق"، بقلم إبن مَسكويه، والمُتوَفّى في القَرن الخامس، فهو من الكتب المعروفة في هذا المجال، وله كتاب آخر في علم الأخلاق، وإسمه "آداب العرب والفُرس"، ولكن شهرته ليست كشهرة الكتاب المذكور آنفاً.

4- كتاب: "تنبيه الخاطر ونزهةُ الناظر"، والذي عُرِف بـ: "مجموعة ورّام"، أحد الكتب المعروفة أيضاً في هذا المجال وكاتبه "ورّام بن أبي الفوارس"، من علماء القَرن السّادس الهجري.

5- ونرى في القَرن السّابع كتابي: "الأخلاق النّاصرية وأوصاف الأشراف وآداب المتعلمين"، للشيخ خَواجة نصير الطّوسي رحمه الله، فكلّ واحد منها مَعلَم من مَعالم التّصنيف في هذا المجال، في ذلك القرن.

6- وفي باقي القُرون نرى كتباً مثل: "إرشاد الديلمي"، "مصابيح القلوب للسبزواري"، "مكارم الأخلاق لحسن بن أمين الدين"، و"الآداب الدينية لأمين الدين الطّبرسي"، و"المحجة البيضاء للفيض الكاشاني"، وهو كتاب قيّم جداً في هذا العلم، و: "جامع السّعادات" و"معراج السّعادة"، وكتاب: "أخلاق شبّر"، وكثير من الكتب الاُخرى4.

والمرحوم العلاّمة الطّهراني، أورد عشرات التّصانيف في كتابه المعروف بـ: "الذريعة"5.

ويجب الإشارة إلى أنّ كثيراً من الكتب الأخلاقيّة، طُبعت بعنوان كتب: السير والسلوك إلى الله، والبعض الآخر طُبع بعنوان: الكتب العرفانيّة، وتطرّق البعض الآخر لمسائل الأخلاق في فصل وفصلين، ككتاب: "بحار الأنوار" و"اُصول الكافي"، حيث يُعدّان من أفضل مصادر هذا العلم.

*الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-قم،ط2،ج1،ص28-32


1- رسالة الامام السّجاد عليه السلام الحقوقية، ودعاء مكارم الأخلاق، وكثير من الأدعية والمناجاة في طليعة الآثار الأخلاقية الإسلامية المعروفة، بحيث لا يوازيها أثر ولا يصل إلى مقامها شيء.
2- بحار الأنوار، ج 222، ص 391.
3- نهج البلاغة، خطبه 182.
4- مُلخص ومُقتبس من كتاب تأسيس الشّيعة لعلوم الإسلام. الفصل الأخير.
5- الذريعة، ج 1.

2009-07-29