يتم التحميل...

ولا تشركوا به شيئًا

وصايا قرآنية

قد يعبد الإنسانُ اللهَ تعالى، ولكنّه يشرك به بنحو من أنحاء الشرك المتعدِّدة، لذا لم يكتفِ الله تعالى بالدعوة إلى عبادته، بل أردف ذلك بالدعوة إلى توحيده،

عدد الزوار: 40

قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا1

قد يعبد الإنسانُ اللهَ تعالى، ولكنّه يشرك به بنحو من أنحاء الشرك المتعدِّدة، لذا لم يكتفِ الله تعالى بالدعوة إلى عبادته، بل أردف ذلك بالدعوة إلى توحيده، وقوله تعالى ﴿وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئً 2، إشارة إلى وجود أنواع من الشرك دعا الله إلى نفيها جميعًا، وبما أنَّ للشرك، أنواعًا ومراتب، فإنَّ للتوحيد، المقابل له، مراتب، وهو ما نتعرّض لها في ما يأتي:

مراتب التوحيد

المرتبة (1) التوحيد في الذات
والمراد منه: أنَّ الله تعالى واحد في ذاته، أي غير مركَّب من أجزاء، وقد دلَّ العقل القطعيّ على أنّ الله تعالى غنيّ مطلق، فلا يمكن أن يكون مركّبًا، لأنّ المركّب يحتاج إلى أجزائه، وهو ما يتنافى مع غناه.

المرتبة (2) التوحيد في الخالقيّة
والمراد منه عدم وجود خالق مستقلّ غير الله تعالى، فهو خالق كلّ شيء. وإضافةً إلى الأدلّة العقليّة على ذلك، أرشد القرآن الكريم إلى ذلك بآيات عديدة منها:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ3
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ4
﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ5
﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ6
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ 7
﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ8.

وقد ذكرنا قيدَ "مستقلٍ" في الخالق، لأنّه لا مانع من إطلاق هذه الكلمة بمعنى الصانع، الذي يصنع بإذن الله دون استقلال منه تعالى، من قبيل ما ذكره القرآن الكريم:: ﴿نِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ9.

من آثار هذا النوع من التوحيد

إنّ من آثار التوحيد في الخالقيّة أن لا يعتقد الإنسان بأنّ عنده شيئًا مستقلاً عن الله تعالى، كما حصل مع قارون الذي قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي10، فأشرك بما قال.

المرتبة (3) التوحيد في الربوبيَّة التكوينيّة
والمراد منه أنّ للكون، بل لجميع عالم الإمكان، مدبِّرًا ومديرًا واحدًا بالاستقلال، لا يشاركه في تدبيره، استقلالاً، أيُّ شيء، وما يكون له تدبير في هذا الوجود كالملائكة، التي عبَّر الله تعالى عنها بقوله: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرً11، إنّما هو بأمره تعالى، وليس استقلالاً عنه.

وإضافة إلى الأدلّة العقليّة، وردت آيات عديدة تدلّ على وحدانيّة الله في التدبير نذكر منها:
- ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ12.
- ﴿ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 13.
- ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ14.

وقد وردت بعض الآيات حول تدبيره عزّ وجل في عناوين تفصيليّة منها:
- ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ15.
- ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ16.
- ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ17.
- ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 18.
- ﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ *  أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ19.

ويبدو أنّ المشركين الذين واجههم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا مشركين في الخالقيّة، بل في الربوبيّة، قال تعالى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ 20، وفي الوقت نفسه كانوا يعبدون الأصنام، بصفتها مدبِّرات مستقلَّة عن الله تعالى.

من أدلّة التوحيد في الربوبيّة

وقد عرض القرآن الكريم دليلين على التوحيد في الربوبيَّة هما:
1- قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ21.
2- قوله تعالى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ22.

إنَّ هاتين الآيتين تشيران إلى أنّ وحدة النظام وانسجامه دليل على وحدة المدبِّر، وإلا، أي لو تعدّد المدبِّرون، للزم منه فساد العالم، وعدم الانسجام في النظام.

إضافةً إلى ما مرَّ من الآيات الدالّة على وحدة الربَّ، ذكر الإمام علي عليه السلام دليلاً آخر، يقول فيه: "لو كان لربِّك شريك لأتتك رسله"23، والواقع أنّ كلّ الرسل يدعون إلى إله واحد.

آثار التوحيد في الربوبيَّة التكوينيّة

من آثار هذا النوع من التوحيد أن لا يعتقد الإنسان بأنّه استقلّ، هو أو غيره، في أيّ تدبير وإدارة في هذه الحياة، فإذا ابتُلِيَ بمعصية، وقام بالتخطيط للخروج منها، فإنّ من الخطر في العقيدة أن يحدِّث نفسه بأنّه هو الذي حقّق ذلك النجاح. قال تعالى: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ 24.

من هنا اعتبر من الشرك الخفيّ (غير العقائديّ) أن يصدر من الإنسان بعض الألفاظ الدالّة على كون الفاعل هو غير الله، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "هو قول الرجل: لولا فلان لهلكت، ولولا فلان لأصبت كذا وكذا. ولولا فلان لضاع عيالي"25.

المرتبة (4) التوحيد في الربوبيَّة التشريعيّة
والمراد منه أنّ التشريعات والقوانين محصورة بالله تعالى، فليس للبشر حقّ في التشريع على خلاف تشريع الله تعالى.

وقد دلَّ على انحصار التشريع بالله تعالى آيات عديدة منها:
- ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 26.
- ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ27.
- ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ28.
- ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 29.

بناءً على ما تقدَّم، فإنّ دور الفقهاء هو استنباط التشريعات الإلهيّة على أساس فهمهم لمدارك الشريعة، لا سيَّما الكتاب والسُّنَّة النبويَّة.

آثار التوحيد في الربوبيَّة التشريعيّة
1- أن يتفقّه المؤمن بدينه.
2- أن لا يخطو الإنسان أيَّة خطوة إلاّ بعد أن يعرف حكمها الشرعيّ.
3- أن لا يتخاصم الناس عند غير أهل الشرع والفقاهة، حينما لا يكونون في مورد اضطرار لذلك.

المرتبة (5) التوحيد في العبادة
والمراد منه حصر العبادة بالله تعالى، وقد دلّ على ذلك آيات قرآنيّة عديدة منها:
- ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 30.
- ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ31.
- ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا 32.
- ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا 33.

آثار التوحيد في العبادة

من آثار هذا النوع من التوحيد:
1- أن لا يعبد الإنسان غير ربِّه فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أمّا بعد فإنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته"34.
2- أن يصفِّي نيّته لله في أعماله، ولا يرائي بها أمام الناس، أي أن لا يعمل بهدف أن يروه، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء 35.

وقد اعتبرت بعض الأحاديث النبويّة أنَّ الرياء هو من الشرك الأصغر، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قيل: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرّياء، قال: يقول الله عزّ وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم؟"36.

جعلنا الله تعالى من الموحِّدين المخلصين له.

* آية الوصايا العشر، الشيخ أكرم بركات.


1- سورة النساء، الآية 36.
2- سورة الإخلاص، الآيات 1-4.
3- سورة الزمر، الآية 62.
4- سورة غافر، الآية 62.
5- سورة الأنعام، الآية 102.
6- سورة الأنعام، الآية 101.
7- سورة فاطر، الآية 3.
8- سورة الأعراف، الآية 54.
9- سورة آل عمران، الآية 49.
10- سورة القصص، الآية 78.
11- سورة النازعات، الآية 5.
12- سورة يونس، الآية 3.
13- سورة الرعد، الآية 2.
14- سورة الفاتحة، الآية 2.
15- سورة الأعراف، الآية 158.
16- سورة الروم، الآية 40.
17- سورة الذاريات، الآية 58.
18- سورة الشعراء، الآية 80.
19- سورة الواقعة، الآيتان 63-64.
20- سورة لقمان، الآية 25.
21- سورة الأنبياء، الآية 22.
22- سورة المؤمنون، الآية 91.
23- ابن أبي طالب، الإمام علي، نهج البلاغة، تحقيق محمّد عبده، ط1، قم، دار الذخائر، 1412هـ، ج3، ص 44.
24- سورة يونس، الآية 107.
25- الشاهرودي، علي، مستدرك سفينة البحار، تحقيق حسن بن علي النمازي، (لا،ط)، قم، النشر الإسلامي، 1419هـ، ج5، ص 395.
26- سورة يوسف، الآية 40.
27- سورة المائدة، الآية 44.
28- سورة المائدة، الآية 45.
29- سورة المائدة، الآية 47.
30- سورة البينة، الآية 5.
31- سورة يوسف، الآية 40.
32- سورة آل عمران، الآية 64.
33- سورة النساء، الآية 36.
34- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق علي أكبر الغفاري، ط3، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367هـ.ش، ج8، ص 386.
35- سورة البينة، الآية 5.
36- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج69، ص 266.

2013-09-07