يتم التحميل...

مراحل تربية الأبناء-1

كيف تجعل ولدك صالحاً؟

كان حديثنا السابق عن المؤثّرات في تكوين الولد الصالح في المرحلة التي تسبق التربية المباشرة للطفل. وها هنا نشرع في الحديث عمّا قدّمته الشريعة الإسلاميّة الحنيفة في تربية الولد بعدما حثَّت على حسن أدائها وأوجبت لمن أحسنها...

عدد الزوار: 74

كان حديثنا السابق عن المؤثّرات في تكوين الولد الصالح في المرحلة التي تسبق التربية المباشرة للطفل. وها هنا نشرع في الحديث عمّا قدّمته الشريعة الإسلاميّة الحنيفة في تربية الولد بعدما حثَّت على حسن أدائها وأوجبت لمن أحسنها مغفرة الله تعالى؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم"1 ، وفي الحديث: "لئن يؤدِّب أحدكم ولده خير له من أن يتصدّق بنصف صاعٍ كلّ يوم"2.

وقد فصلت أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام مراحل التربية - بحسب سنوات عمره - إلى ثلاث وهي:
1- السنون السبع الأولى (1 - 7).
2- السنون السبع الثانية (7 - 14).
3- السنون السبع الثالثة (14 - 21).

ووجهت روايات الإسلام إلى أهميّة ترك الولد بحرية في أوّل سبع سنين، ثمّ تأديبه ومراقبته ومحاسبته على أفعاله في السنوات السبع الثانية، ثمّ مصاحبته وإشعاره بنوع من الاستقلاليّة في السنوات السبع الثالثة. فعن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد سَيّدٌ سبع سنين، وعَبْدٌ سبع سنين، ووزير سبع سنين"3. لذا سنسير في هذا الكتاب على أساس هذه المراحل الثلاث والبدء مع السنوات السبع الأولى.

السنوات السبع الأولى: 1 - 7

أكّد الإسلام في هذه المرحلة من عمر الولد على عدة أمور نعرض منها:

1- العاطفة مع الأطفال:
دعا أهل البيت عليهم السلام إلى الاهتمام، في هذه المرحلة الحساسة من عمر الطفل، بالجانب العاطفيّ الذي له أثر كبير في مستقبل الطفل. فقد يولِّد الفراغ العاطفيّ وعدم الاهتمام بالطفل وملء كياته بالحبّ والحنان، آثاراً لا تُحمد عقباها في المستقبل، وتشير بعض دراسات علم النفس إلى أنّ اللّجوء إلى المخدّرات قد يكون أحد أسبابه عدم الاهتمام العاطفيّ بالطفل من قبل والديه، فيلجأ في شبابه إلى تعاطي المخدِّرات. من هنا أكَّدت روايات الإسلام على ملء الجانب العاطفي، كما نلاحظ ذلك في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: "وجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني"4.

2- الصبر على الأطفال:
وأمر الإسلام بالصبر على ما يلاقيه الوالدان من الطفل، لا سيَّما في السنين السبع الأولى التي يصدر فيها عن الطفل ما يرهق الوالدين، ويشغل بالهما، فكثيراً ما قد يبكي، وكثيراً ما قد يمرض، وكثيراً ما قد يشاغب في لعبه. وعلى قاعدة "الولد سيّدُ سبع" أمر الإسلام بالصبر على كلّ هذا مبيِّناً الأجر الذي يمنحه الله تعالى للوالدين، أو المصلحة للطفل حينما يكبر. ونعرض في ما يلي نماذج من الأحاديث الواردة في الصبر على الأطفال.

* الصبر على بكاء الأطفال
فقد ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم، فإنّ بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلّا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام ، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"5.

وقد نقل لنا تاريخ الإسلام تعامل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الممتلئ رحمة مع بكاء الأطفال وصراخهم، وذلك حينما كان يصلِّي بالناس صلاة الظهر فخفّف في الركعتين الأخيرتين وأسرع فيهما، فلمّا انصرف، قال الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "وما ذاك؟".

قالوا: خفَّفت في الركعتين الأخيرتين!.

فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: "أو ما سمعتم صراخ الصبي؟!"6.

فقد أسرع النبيّ بصلاته شفقة على صراخ الطفل الذي تركته أمَّه وقامت تصلِّي، فعجَّل في صلاته رحمةً به.

* الصبر على مرض الأطفال
وكما أمر الإسلام بالصبر على بكائهم أمر بالصبر على مرضهم مبيّناً الأجر في ذلك، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرض يصيب الصبيّ فقال عليه السلام: "كفّارة لوالديه"7.

* ملاعبة الأطفال
إضافة إلى ما مرَّ أكّد الإسلام على لزوم تفهّم الوالدين لمرحلة الطفولة في التعامل مع الأولاد، فلا بدَّ للأب - وكذا الأمّ - أن يترك شأنه ومقامه الاجتماعيّ بل ما يستدعيه عمره في التعاطي مع الناس في المجتمع لينزل إلى مستوى طفولة الولد فيلاعبه بكلّ عطف وحنان ورحمة، وهذا ما بيَّنه النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له"8.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من كان له ولد صبا"9.

وقد مارس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بمرأى المسلمين التصابي للأطفال وذلك حينما رأوه يحبو والحسن والحسين عليهما السلام على ظهره، وهو يقول: "نِعمَ الجمل جملكما، ونِعمَ العدِلان أنتما"10.

هذه جملة من توصيات الإسلام في التعامل الإيجابيّ مع الطفل في هذه المرحلة، وإليك توصياته في التعامل السلبيّ معه.

لقد بعث الأنبياء من قبل الله تبارك وتعالى لتربية الناس وبناء الإنسان، وتسعى جميع كتب الأنبياء - وخاصة القرآن الكريم - من أجل تربية هذا الإنسان، لأنّه بتربية الإنسان يتمّ إصلاح العالم، وإنّ مضارّ الإنسان الذي لم تتمّ تربيته بالمجتمعات لا تساويها مضارّ شيطان أو حيوان أو كائن آخر، وإنّ منافع الإنسان المتربيّ للمجتمعات لا تضاهيها أية منفعة لملك أو كائن مفيد آخر.(منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص224).

التعامل الخاطئ مع الأطفال

يظنّ بعض الناس أنّ صغر سنّ الأولاد يسمح لهم بهامش كبير من التعاطي بلا حساب، على أساس أنّ الأولاد في هذه المرحلة لا يتأثّرون بنوعيّة التعامل معهم، إلاّ أنّ ما ورد في النصوص الدينيّة هو أنّ الطفل يكون شديد التأثّر والتلقّي، في سنواته الأولى ممّا يكون له أثر في تكوّن شخصيّته في المستقبل؛ لذا دعا الإسلام إلى اجتناب جملة من الأمور في التعامل مع الأولاد، نذكر منها:

1- الخُلْف في الوعد
فقد يَعِدُ الوالدان الطفل بوعود كثيرة، ثمّ لا يفون بها، ظناً منهم أنّ هذا لا يؤثّر في تكوين شخصيته لأجل صغر سنّه، إلاّ أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حذّر من عاقبة الخُلْف في وعد الأطفال؛ وذلك لأنّ الطفل ينظر إلى والديه على أساس أنّهما سبب رزقه ومصدره، وهي نظرة لها بُعد كبير في نفس الطفل، فإذا أخلف الوالدان وعدهما، فإنّ نكسة بحجم النظرة ستكون في كيان هذا الطفل. هذا بالإضافة إلى أنّ الولد ينظر إلى والديه على أنّهما القدوة الأولى، فيسبّب خُلفهما بالوعد الذي وعداه به، عدم الثقة بأقوال الناس بعد أن فقد الثقة بالقدوة الأولى عنده. من هنا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم - في ما ورد عنه -: "أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنّهم لا يرون إلاّ أنّكم ترزقونهم" 11، وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا واعد أحدكم صبيَّه فلينجز"12. وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام: "إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم، فإنّهم يرون أنّكم الذين ترزقونهم، إنّ الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان"13.

2- عدم المساواة بين الأولاد
حذَّرت بعض النصوص الواردة عن أهل البيت من التفريق بين الأولاد في إظهار المحبّة داعية إلى المساواة بين الأولاد في ذلك.فقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما، وترك الآخر، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلا ساوَيْتَ بينهما"14. وينقل الإمام الصادق عليه السلام عن والده الإمام الباقر عليه السلام أنه كان يُداري بعض ولده فيجلسه على فخذه ويكسر له السكر، مع أنّ الحقّ كان في ولد آخر، ويعلِّل الإمام عليه السلام ذلك بقوله: "لا يصنعوا به ما فُعل بيوسف وإخوته، وما أنزل الله سورة إلاّ امتثالاً..." 15، إشارة إلى حسد أخوة يوسف له نتيجة الاهتمام الخاصّ والتفضيل اللّافت الذي ميَّزه به أبوه النبيّ يعقوب عليه السلام.

3- تفضيل البنين على البنات

ورفض الإسلام تفضيل الذكور على الإناث من مبدأ تحقير الأنثى والتشاؤم من وجودها، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له أنثى، فلم يبدها ولم يُهِنْها، ولم يُؤْثِّر ولده عليها أدخله الله الجنّة"16.

واعتبر الإسلام البنات نعم الأولاد في أحاديث عديدة منها ما عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "نِعْمَ الولدُ البنات، مُلطفات، مُجهزات، مُؤنسات، باكيات، مبارَكات"17.

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من كانت له ابنة واحدة كانت خيراً من ألف حُجّة، وألف غزوة، وألف بدنة، وألف ضيافة"18.

* البنت بركة
وأخبر نبيُّ الإسلام بركة الملائكة التي يسبّبها وجود البنات في البيت فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من بيت فيه البنات إلاّ نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت يكتبون لأبيهنَّ19 كلّ يوم وليلة عبادة سنة"20.

* البدء بالبنت
ودعا الإسلام أن يبدأ الوالد بابنته حينما يريد أن أن يوزّع ما جلبه للأولاد. فعن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق، فاشترى تحفة، فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قومٍ محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور"21.

* البنت أوّلاً = سعادة
واعتبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ من سعادة المرأة أن تكون البنت هي أوّل أولادها، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من يُمْنِ المرأة أن يكون بكرها جارية" يعني أوّل ولدها22.

* من عال البنت كان مع النبيّ
وبيَّن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الموقع الشريف لمن عال بنتاً حينما قال - في ما ورد عنه -: "من عال واحدة أو اثنتين من البنات جاء معي يوم القيامة كهاتين" وضمّ إصبعيه23.

4- العلاقة الخاصّة أمام الطفل
ومن الأمور التي حذَّر منها الإسلام هو ممارسة العلاقة الخاصّة بين الزوجين وفي المكان ولد يراهما ويسمعهما، فإن ذلك يُفسد الولد في مستقبله وقد يحوّله إلى زان. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيّ، فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا"24. وعن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبيّ مستيقظ يراهما، ويسمع كلامهما ونفَسَهما، ما أفلح أبداً، إن كان غلاماً كان زانياً أو جارية كانت زانية"25.

دعوة إلى الحياء
لذا دعا الدين الحنيف إلى الحياء من الآخرين عند العلاقة الخاصّة، فعن النبيّ عيسى عليه السلام: "إذا قعد أحدكم في منزله فليُرخِ عليه ستره، فإنّ الله تعالى قسم الحياء كما قسم الرزق"26. ومن الحكم اللطيفة ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "تعلّموا من الغراب ثلاث خصال، استتارَه بالسّفاد، وبكورَه في طلب الرزق، وحذرَه"27. "من أحضانكنَّ أيتها النساء يجب أن تكون الانطلاقة، في أحضانكنَّ يجب أن يتربّى الأطفال تربية إسلاميّة صحيحة؛ لأنّ الطفل ينشأ في أحضانكنَّ، ويبقى ملازماً لكنَّ، ونظره وسمعه مشدودان إليكنَّ، فإن سمع أمّه تكذب قد يصبح كذَّاباً، أمّا إذا رأى الأمَّ إنساناً سويّاً، والأب رجلاً صالحاً فسيكون رجلاً صالحاً".مكانة المرأة، ص157.

* كيف تجعل ولدك صالحاً، الشيخ أكرم بركات.


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص195.
2- المصدر السابق.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص194 - 195.
4- بيضون، تصنيف نهج البلاغة، ص643.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، 171.
6- المصدر السابق، ص198.
7- المصدر السابق، ص211.
8- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص203.
9- المصدر السابق.
10- المجلسي، بحار الأنوار، ج42، ص285.
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص201.
12- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص170.
13- المصدر السابق، ص202.
14- المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص84.
15- المصدر السابق، ص78.
16- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص118.
17- المصدر السابق، ص115.
18- المصدر السابق.
19- هكذا في المصدر، والصحيح لأبيهن.
20- المصدر السابق، ص116.
21- المصدر السابق، ص118.
22- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص98.
23- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص116.
24- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص94.
25- المصدر السابق.
26- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص96.

2013-02-01